العنف وأشياء أخرى - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

العنف وأشياء أخرى
إياد مداح - 19\05\2010
يقول غاندي، ان مبدأ العين بالعين يجعل العالم كله أعمى وأن على المرء احترام ديانات الآخرين احترامه لدينه، لأن التسامح المجرد لا يكفي.
يسخر كثيرون لمجرد سماع مصطلح اللاعنف ويعتبرونه عنوان خنوع، ويجتهد كثيرون لبلوغه دون القدرة على ذلك.
شخصيا، لا أجد أن صعوبة الوصول الى ذلك هو أمر غريب، فمن زُرع في رأسه وكيانه منذ نعومة أظفاره بأنه لا يفل الحديد الا الحديد لم ولن يستوعب أبدا أن القوة ليست بالمقدرة الجسمانية بقدر ما هي قوة الارادة التي تأتي بها وأن الحكمة التي يمتلكها ذو القلب الصافي لا يمكن أن يملكها طغاة الأرض مهما تجمعت لديهم القوة والقدرة أبدا، وهنا أسوق حدثا علمني الكثير، لكنه، لم يملّكني بعد القدرة على تشرُب مبدأ "اللاعنف" بالفعل، لا بالكلام.
ففي يوم ما كنت أقطف التفاح في بستاننا فمر بنا سائحان، يهوديان، فأمسكت تفاحتين وقدمتهما لهما وسألتهما ان كانا يريدان أية مساعدة، في تلك اللحظة رآني جارنا في البستان، فقال لي "عمرهن ما ياكلوا"، حينها شعرت أنني فعلت شيئا قبيحا لا يغتفر، لولا أن أبي تدارك الأمر، وقال لي ولجارنا، على العكس، "صحتين وعافية على قلبهن"، فالعطاء قوة لدينا لا مقدرة لديهم هم عليها، الأخذ سهل أم العطاء فصعب ونحن اذ نعطيهم نعلمهم أننا لم نصبح بعد مثل كثيرون منهم ممن لا يحسنون الا الأخذ وأنهم لن يحتلوا الوطن الكامن فينا لأن الوطن ما تكونه وليس ما يكونك.
أقصد بما قلت آنفا، اللاعنف، أقصد العطاء، أقصد أن تكون المحبة أول ما يخطر لنا حين يستفيق ذلك الوحش الحاقد المزروع فينا ويحرضنا على البطش وسلب الآخرين كراماتهم، بحق وبغير حق، فجراح الجسد تشفى لكن جراح الروح لا تشفى وتجعل رد العنف عنفا أشد منه.

أعتقد أننا الآن بدأنا نرى بوادر جيل يقوده الفراغ والانغلاق الى ابتكار انتماءات مشوشة، وابتكار أعداء مفترضين فالآن كل قرية من قرى الجولان أصبحت دولة وعليها التحصن جيدا ضد دول الجوار. يجوز أن انغلاقنا جعلنا نحس أننا بعدد سكان الصين أو الهند على أقل تقدير انما الحقيقة أن كل سكان الجولان قد تستوعبهم بناية واحدة في اليابان. لا يملك أحدا منا عصا سحرية لتغيير الأمور انما أعتقد أن الحل هو السعي للوقوف عند احتياجات هذا الجيل، والأجيال القادمة وتأمين سبل الحياة الصحية لهم، من مراكز تنموية ونشاطات قريبة منهم يكونون هم الفاعلون فيها وليس المفعول بهم، وغير ذلك من العوامل التي قد تساعدهم على مقاومة تلك الوحوش التي باتت تسيطر على عقولهم دون ذنب لهم فيها، واذ، يحزنني جدا ما حصل في مسعدة من شجار بين أبناء الجرح الواحد والقضية الواحدة، وما حدث قبل ذلك في ملاعبنا وما نتمنى ألا يحدث ثانية، يحزنني أيضا أن نرى الأسباب التي أدت الى ذلك ولا نعمل جميعا على علاجها والحد منها ومنع تفشيها في الجسد الحي فينا، في شبابنا وأطفالنا، لن يكون أي بناء أغلى من دماء أبنائنا، من أسسوا لمشروع الصرف الصحي ومن مدوا أنابيب المياه بأيد عارية، غير آبهين بالجبال، لن يتعسر عليهم أبدا التأسيس لتلك المشاريع التنموية التي من شأنها اخراج الشباب من عزلتهم.